الخميس، 18 فبراير 2010

ثرثرة على متن طائرة




الساعة التاسعة صباحا، دقائق بطيئة تزفنا للإقلاع بعد ساعة تقريبا. حسناً، لا بد من استعراض بسيط لحضور هكذا صالة. هنا أوروبي جالس بجانب زوجته(لا اعرف انها زوجته او لا لكن حسن النية موجود)، وهناك فتاة تبدو من ذات أصول افريقية، تبدو مبتهجة ومنتظرة على أحر من الجمر، وهناك في الصف الأخير من القاعة، عائلة بدا لي أنها خليجية، وأطفال يلهون هنا وهناك. الوجوه متباينة كالأعراق تماما، جلست بقربي،على يساري، فتاة أوروبية، بدا لي أنها انجليزية، فعلى عكس عادة الأوربيين، لم تلقى التحية، فقط جلست وبدأت تبحث عن شي وسط حقيبتها البسيطة، حسناً، كان الشيء هو كتاب من الحجم الصغير، عيون زرقاء بنظرات حادة، وانف روماني صغير، تغطي رأسها قبعة دائرية يتدلى منها شعر أشقر قصير،. مع اقتراب موعد الصعود، ازدادت أعداد المتوافدين على الصالة. وبدأت تتصاعد وتيرة الضوضاء، وهذه علامة على تزايد أعداد العرب، فلنا نحن العرب حضور قوي في أوقات الهدوء، الم يقل احدهم بأننا ظاهرة صوتية؟
حسناً، نظرة ملياً إلى الفتاة بقربي، وازددت يقينا بأن الجمال كالإرهاب تماما، ليس له عرق ولا دولة ولا إقليم، فهو هبة من الله لبعض لخلقه.
فجأة قفز إلى مخيلتي سؤال ثقيل، لكنة على إي حال قفز، ماذا لو أن رتشارد قلب الأسد حضر بذاته، بالطبع مع سيفه ودرعه ، إلى هذه القاعة الآن؟ ورآني بجانب حفيدته؟ ماذا سيفعل؟؟ هل سيهوي بسيفه أو ربما بدرعه على رأسي؟ أم ماذا؟ ثم ما هو يا ترى سيكون موقف الفتاة؟
مع نداء الصعود للطائرة تلاشى طيف رتشارد قلب الأسد ، تلاشى بسيفه ودرعه.
بدأ تشكل طابور من الحضور باتجاه باب الصالة المؤدي مباشرة إلى داخل الطائرة، وكعادتنا نحن العرب يكون الصف شبه مستقيم إلى أن يصلنا فنجعل منه شبة متوازي أضلاع.
الصدفة مرة أخرى تلعب دورها في هذا الطابور، صرت أنا خلف حفيدة طيب الذكر ريتشارد ، وعند الدخول للطائرة لعبة الصدفة دورها، لكنها في حالة تسلل هذه المرة، فكنت أنا وإياها على نفس صف المقاعد ولكنها في طرف وأنا في طرف بالجهة الأخرى.
على أية حال دعوت الله أن يرزقني براكب مجاور يكون خفيف الظل أو أن يكون المقعد خاليا في أسوء الأحوال ، فالرحلة مدتها 7 ساعات تقريبا وهذا يعني أن ثقل الدم هنا عقوبة قاسية قاسية بمعنى الكلمة.
بدء من كان في صالة الانتظار يأخذ مكانه في الطائرة، وفجأة وبدون سابق إنذار وقف أمامي رجل في أواخر العشرين، بدا لي انه جنكيز خان بذاته، سبحان الله، في صالة الانتظار بجانب حفيدة رتشارد قلب الأسد وفي الطائرة بجانب حفيد جنكيز خان، هنا يبدو أن الصدفة خرجت من الملعب بعد التسلل الأخير.
نظرة إلى الطرف الأخر وإذا بي أرى الحفيدة مع احد أحفاد نهرو، ليس هذا وحسب بل ويتجاذبون إطراف الحديث بابتسامات.
هنا كان للعصر العباسي وقفة مضيئة معي، فما إن رأيت المضيفات حتى قفزت، قفزت بسرعة وخفة هذه المرة، إلى مخيلتي قصص "بعض" الخلفاء العباسيين رحمهم الله مع الجواري (القصص من واقع كتب الأدب لا التاريخ)
لا حاجت لي هنا أيضا أن اكرر بعد أن توثقت فكرتي عن أن الجمال مثل الإرهاب لا عرق له ولا دولة ولا...بل هو هبة من الله.
أخذت الطائرة بالإقلاع تدريجيا حتى استقرت بأذن الله بين الأرض و السماء.
ومع استقرار الطائرة، نام البعض، واخذ البعض بمداعبة السماعات و التجول بين القنوات السمعية أو البصرية. وهنا، لفت انتباهي معركة، معركة من نوع آخر، أخذت حفيدة قلب الأسد تتعارك مع النوم، عراك المتمنع المستسلم، وكانت الحرب سجال. ولم يقطع تأملاتي تلك سوى شخير حفيد جنكيزخان قاتله الله. فالتفت عليه، أجده كالصنم، لكنه تفوق على الصنم وعلى الهدوء بالشخير الذي يشبه إقلاع طائرة حربية.
يا لحظي العاثر، كيف سأقضى هذه الساعات هكذا. حسنا، سأركن إلى صديقي القلم وصديقته الأوراق.
وحين لمعت فكرة القلم والورقة، لمعت إحدى الجواري وانتقلت إلى العصر العباسي من جديد. هنا استوقفتها وطلبت منها قلما وورقة. وخلال ثواني معدودة، أتى القلم الأبيض تتبعه الأوراق البيض...هنا الأبيض يكون سيد الألوان حقاً.
أخذت القلم، وأخذتني العولمة،والتقنية والاختراعات، كيف يجتمع أحفاد الخالد صلاح الدين وأحفاد رتشارد قلب الأسد في مكان واحد؟ وأين؟ بين الأرض والسماء!! (أما أحفاد جنكيز خان فلن اذكرهم هنا ما دام هذا النائم يواصل ثورة الشخير هنا(
فعلا، صدق من استنتج بأن العالم أصبح قرية صغيرة..
حسناً، العرب مرة أخرى، وعلى متن الطائرة، ولا جديد، ضوضاء من الكبار قبل الصغار، واحد الصغار يحاول أن يقرأ ما اكتب، ولا اعرف هل هو يجيد القراءة أم الشيطنة هي الدافع!
اه، اخيرا، انتهت ازمة حفيد جنكيز خان، فقد صحا من نومه واخذ يلعب بجهاز الكتروني صغير معه، واجزم بأن اللعبة هي قتل وقاتل ومقتول.
هنا أحسست بالملل، فكأنما الوقت يتلكأ بالمسير.
هنا، اظهر لي شيطان الشعر رأسه، فهل أقاومه أم استسلم؟ حسناً، سأرضيه بكلمات حتى يذهب عني بلا رجعه، فلا اذكر في حياتي أن احد شياطين الشعر رضي عني أو رضيت عنه، فهم يظهرون ومن ثم يذهبون متأففين مما اكتب.
يا ليت توزيع المقاعد بالمعارك..
لكان حفيد نهرو فوق الجناحٍ..
وحفيد جنكيز يدور بلا مكانِ
حسناً، يجب أن اعتذر لركاكة ما كتبت، واعترف، بأن من كان يطل برأسه ليس شيطان شعر بل كان حما.......
يبدو أن عصر العباسيين على مشارف النهاية، فهاهي المضيفة تسأل عن القلم، بل وتسأل: ماذا تكتب؟ وهنا تعلق باستفهام: هل تكتب رسالة حب؟؟ هكذا قالت. (يبدو إنني على مشارف عصر الانحطاط). توقفت عن ألكتابه هنا، ولكن لم أعطها القلم إلا لحظة النزول من الطائرة، بعدما شكرتها طبعا.
استقليت سيارة من المطار باتجاه البيت، الوقت كان قبل الغروب بنصف ساعة تقريبا أو اقل.
وهذا الوقت بالذات تكون الرياض في أجمل أجمل أجمل لحظة لدي. فقرص الشمس الضارب إلى الحمرة قد دنى من الغروب، فتبدو كلثام على وجه حسناء رفعته رفقا بالناظرين.
وتذكرني الشمس بوجه أمي، وجه يلفه الحياء، حتى الابتسامة، الابتسامة تكون في حياء.
يكون الجو لطيف بعض الشيء في منطقة المطار. و منظر الرمال، رغم إني ابن الصحراء، إلا أنني كلما غبت عن هذه الرمال، أكاد أدهش من روعتها حينما أراها، فكيف إن كانت اللحظات هي قبل الغروب.
وهنا، أغمض عيني، حتى اظم مدينتي، والشوق يجمعنا دوما، واقبل جبينها، مثل تقبيل رأس أمي.

طيب، وماذا عنك؟ الم تمر بمثل هكذا تجارب!



هناك 6 تعليقات:

  1. المطار ...

    مكان مشحون بالمشاعر كملأ الناس في قاعاته ...

    لكل منهم حكايه ...

    في كثير من الأحيان ما تربطي الكثير من العلاقات الوهيمة مع شخوص كالذين ذكرتهم ... يجولون في مخيلتي و يداعبوا كل أسرارها و يشكلوا لبنه لخواطر جديدة ...

    و المكان دائما المطار ومتن طائراته ...

    ردحذف
  2. بالتأكيد يا الجودي..
    .
    .
    تحلق بنا المطارات
    قبل الطائرات
    .
    .

    ردحذف
  3. هي زيارتي الاولى ..
    دعني ابحر هنا ...
    :)


    *****************

    ردحذف
  4. اهلا وسهلا..
    مروركم من هنا شرف
    لنا

    ردحذف
  5. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف
  6. اهلا بك هنا..
    .
    .
    ما اكثر حواراتنا الصامته
    في الطرقات
    والمطارات
    .
    .

    ردحذف

تفضل بالتعليق..حياك