الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

كلو يطزطز






فهد، شاب لطيف، هادئ الطبع، ذو بنية جسمانية هزيلة، خلقت لديه إحساس بالضعف ، وشكل هذا الإحساس عقدة نفسية كانت دافعه الأساسي لتحقيق حلمه الأبدي، وهو أن يمتلك جسم مفتول، تتوزع فيه العضلات بكل مكان به، بداية من الأنف وحتى الإصبع الصغير في أطراف قدميه.
في بداية المرحلة الثانوية، عرف فهد من مدرب الرياضة في المدرسة أن هناك رياضية رسمية ولها اتحاد عالمي وتنظم لها مسابقات ألا وهي رياضة كمال الأجسام، وان بناء العضلات هدف يسهل تحقيقه عندما تكون هناك رغبة وصبر وجهد والتزام.
ودار الحوار التالي بين فهد ومدرس الرياضة البدنية الذي كانت الصافرة تتدلى على كرشته البيضاوية:
فهد: وكيف استطيع يا أستاذ أن ابني العضلات في جسمي بأسرع وقت؟
الأستاذ: تستطيع القيام بذلك عبر الالتحاق بنادي صحي والالتزام مع مدرب متخصص في هذه الرياضة الحديدية.
فهد: وكم التكلفة التقريبية والوقت اللازم لذلك؟
الأستاذ: التكلفة تعتمد على النادي وقد تكون من ستة آلاف إلى عشرة آلاف لفترة سنة واحدة وقد تكون سنة واحدة جيدة للبناء.
فهد: ولكن المبلغ كبير جدا.
الأستاذ: إذن هناك طريقة ارخص كثيرا أيها الغبي الهزيل.
فهد : ما هي؟
الأستاذ: ابحث عن سطلين فارغين وأملأهما بخلطة إسمنتية بسيطة ومن ثم ابحث عن عصى قوية لتصل السطلين المليئين بالخرسانة ببعضهما، وبعد ذلك تستطيع أن تنفذ تمرين رفع الأثقال وهو من أهم تمارين كمال الأجسام.
فهد: حسنا، يبدو أن هذه الفكرة سهلة التطبيق وبالتأكيد ارخص. وهل تستطيع أن تساعدني يا أستاذ بتنفيذ الفكرة؟
الأستاذ: أنت أيها الهزيل اغرب عن وجهي، فأنا مدرس محترم وليس لدي وقت لأقوم بخلطات إسمنتية لك أو لأمثالك. هيا اغرب عن وجهي.
فهد: حسنا،حسنا، لاتغضب حتى لا تنفجر... شكرا.
ما إن وصل فهد للبيت حتى رمى الكتب في غرفته وخرج مسرعا يبحث عن حلمه بين العلب الفارغة صغيرة الحجم، ويقوم بمساعدته احد العمال بمليء علبتي نيدو من الحجم الصغير (حجم اكبر من علبة الببسي بقليل) بخلطة إسمنتية أوصلهما بماسورة حديدية قوية.
تركهما فهد بفناء المنزل حتى تتماسك الخلطة الإسمنتية في الغد.
في الصباح الباكر وقبل الإفطار، تفقد فهد الآلة السحرية والتي ستكفل حصوله على قوام عضلي قوي.
رفع فهد العلبتين من خلال الماسورة الحديدية وقد استطاع فعل ذلك بجهد متوسط.
اخذ فهد يتمرن على ذلك كل صباح قبل الذهاب للمدرسة وكذلك عند القدوم من المدرسة وبعد المغرب وكذلك قبل النوم.
وبعد كل تمرين يذهب للمرآة ويقوم بفحص العضلتين القابعتين على استحياء على زنديه الهزيلين كأعواد ثقاب.
بعد شهر من التمارين، استطاع فهد الحصول على عضلتين بحجم زيتونة سوداء تعاني من الهزال.
كان منظر العضلتين اليتيمتين كفيل ببث اليأس و بهدم معنويات حاولت علبتي النيدو بنائها في مخيلة فهد.
اخذ فهد بضرب العلب الاسمية بالأرض بغضب، وقام بجمع أشلائها ورميها ببرميل الزبالة والدموع تترقرق على عينية الغائرتين.
استطاع فهد خلال يومين العودة لحياته من جديد ولكن هذه المرة بتصميم على أن يتقبل قدره الذي رماه بهذا الجسد الضعيف.
بعد سنوات، وفي احد الأيام يجلس فهد بصالة انتظار في احد المستشفيات عندما عرضت قناة تلفزيونية إعلانا عن افتتاح نادي رياضي بمدينة الرياض هو مجهز بأحدث الأجهزة ، وكان من بين اللقطات الإعلانية صورتين لشاب واحد تمثلان مرحلتين احدهما قبل الالتحاق بالنادي والأخرى بعد الالتحاق بالنادي، وكان الشاب يظهر بالصورة الأولى بجسم هزيل وبالصورة الأخرى يظهر وكأنه شخص آخر وقد تزاحمت العضلات بجسده بصورة تبعث على الانبهار.
استطاع الإعلان التلفزيوني والذي استغرق اقل من دقيقة على بعث الحلم القديم من مرقده، ومرت علبتي النيدو المليئة بالخرسانة الإسمنتية المبعثرة بخيال فهد.
صمم فهد على معاودة المحاولة ولكن هذه المرة عن طريق هذا النادي الرياضي ليكون بوابة عاد منها الحلم القديم بعد سنوات من دفنه.
في عصر اليوم التالي، كان فهد يتفقد النادي الرياضي باحثا عن مدرب الحديد، وقد وجد المدرب،كان قصير القائمة ، أصلع وبجسم عضلي مشدود، وقد دار الحوار التالي بينهم:
فهد: مرحبا، أنا فهد وأريد أن التحق بالنادي.
المدرب: أهلا وسهلا، أنا شحاته مدرب اللياقة البدنية والحديد في النادي.
فهد: لا أذيع سرا إن قلت أن السبب الرئيسي لالتحاقي بالنادي هو أن أجد مدربا متخصصا بكمال الأجسام، أريد منه يساعدني على أن يكون جسمي مليئا بالعضلات، فهل تستطيع أن تأكد لي مقدرتك على مساعدتي على ذلك؟ لا أريد أن اخسر الوقت والمال بدون فائدة!
المدرب: حسنا، بالتأكيد لا احد يريد أن يخسر الوقت والمال، استطيع أن أكد لك ذلك إن أكدت أنت لي على استعدادك للقيام بجميع الممارسات اللازمة لذلك، والممارسات تشمل ليس فقط التمارين الرياضية والعاب الحديد وإنما أيضا التغذية المطلوبة لذلك وان تلتزم ببرنامج لياقي و غذائي صارم، وأعدك بأنك ستجد خلال سنة واحدة أن عضلات بحجم البطيخ والقرع مزروعة على زنديك.
فهد: ذلك آمر سهل، المهم بالنسبة لي هو النتيجة النهائية.
المدرب: حسنا، استكمل إجراءات التسجيل وسنبدأ غدا يا أخ فهد.
فهد: إن شاء الله،ولقد سررت بالتعرف عليك.
في اليوم الثاني أتى فهد يحمل آمال كبيرة بجسم هزيل، التقى المدرب شحاته، وبدأ المدرب يشرح له ماذا يأكل وكم عدد الوجبات، وان وزنه يجب أن يزيد عن وزنه الحالي بما لا يقل عن عشرة كيلو غرامات، وبدأ كذلك بشرح آلة التدريب الأولى والتي كانت لعضلات الصدر.
ومرت الأيام، ومرت الشهور الثلاث الأولى، ولم تزداد عضلات فهد لا عددا ولا حجما، ولكن طموحة كان يزداد، وكان دافعه الأول هو ما يشاهده بالنادي من شباب مفتولي العضلات يمشون بشموخ يعتريه الغرور.
وكان أن لاحظ أن احد الأعضاء ازدادت عضلاته وكبر حجمها خلال فترة وجيزة وكان هذا العضو قد التحق بعد فهد بأسبوع كامل.
اقترب فهد من العضو وبدأ بالسلام...ما أسمك؟
العضو: اسمي بشار.
فهد: ما شاء الله عليك، أنت التحقت بعدي ولكن تقدمت بشكل مذهل، هل من سر تصفه لي.
بشار: (تفاجأ بالسؤال وارتبك قليلا)، فقط اهتم بالوجبات واجتهد أكثر بالتمارين.
فهد: أنا آكل تقريبا ست وجبات باليوم، واقضي ساعات برنامج التدريب كاملا وربما أزيد قليلا ولكني لم احظ حتى اليوم ولو بنصف عضلاتك!
بشار: (وقد هم بالرحيل) حسنا، أنصحك بالإكثار من الطماطم والخيار في كل الوجبات...السر يكمن بالطماطم والخيار يا أخ فهد.
اخذ فهد يتمتم: اكتشفت السر أخيرا...طماطم وخيار...
وقد اخذ فهد بالنصيحة، وصارت الطماطم والخيار تأخذ دور البطولة في مسلسل الوجبات...
ومرت الأيام سريعة، ومرت الستة الأشهر الأولى، وقد كبرت عضلتي فهد، العضلتين التين تستلقيان على زنده... أصبحتا بحجم بيضة دجاجة اندونيسية اكبر من الزيتونة واصغر من الليمونة.
و مع هذا الحجم الجديد، بدأ يشكو فهد من الحرقان جراء إكثاره من أكل الطماطم.
ومرت الأيام أسرع، وإذا بالسنة تنتهي، وينتهي فهد بعضلتين بحجم بيضة دجاجة سيرلانكية اكبر من الزيتونة واصغر من الليمونة.
ذهب فهد باليوم التالي وهو آخر يوم في النادي أكمل معه السنة، ذهب مباشرة للمدرب وهو غاضب، ومصاب بالحرقان.
فهد: أهلا يا شحاته، أين وعدك لي بأن عضلاتي ستنمو وستتراكم على زندي مثل البطيخ ومثل القرع؟؟
شحاته بارتباك وإحساس بالورطة: ربما الوقت لم يسعفك، يجب أن تستمر لسنه أخرى وسترى أن عضلاتك ستتراكم على زنديك مثل البطيخ ومثل القرع ...
فهد: (بغضب) أنت كاذب،كاذب ومدلس ، ولماذا بشار تدرب فقط لمدة ستة أشهر وتراكمت عليه العضلات مثل البطيخ ومثل القرع...لماذا نصيب بشار البطيخ والقرع وأنا نصيبي البيض والليمون ...لماذا لماذا لماذا...
يطأطئ شحاته رأسه بأسى، ثم يرفع رأسه ويأخذ فهد من يده ويتجه به إلى مكتبه، وبعد دقيقة صمت، قال شحاته بصوت خافت: البطيخ والقرع لا تأتي إلا بعد الطزطزه...
فغر فهد فاه: طزطزه؟؟؟ وما هي الطزطزه يا شحاته؟ ولماذا لم ترشدني لها لأطزطز وأنهي معاناتي التي طالت وتعمقت؟؟
شحاته: الطزطزة يا فهد هي الإبر التي تؤخذ لتكبير حجم العضلات أضعاف الحجم الطبيعي وبفترة عدة أشهر فقط.
فهد: أتقصد أن بشار مثلا يطزطز؟
شحاته: كلو بيطزطز يا فهد، بشار وعبدا لله ومساعدي حماده... كو بيطزطز.
فهد: بصوت خافت، وأنت يا شحاته؟ أنت تطزطز مثلهم؟؟
يطأطئ شحاته رأسه: وأنا كذلك يا فهد اطزطز، ولكني توقفت منذ زمن عن الطزطزة، منذ ان قتلت الطزطزة صديق عمر أشرف، الطزطزة تقتل يا فهد، ولها مضار كثيرة تبدأ بأمراض القلب ولا تنتهي بأمراض العجز الجنسي، الأفضل يا فهد أن لا تستخدم هذه الإبر فأن لم تتسبب في مقتلك فأنها ستكون بوابة الإمراض لجسدك...
خرج فهد من النادي وهو مفجوع من هول من ما سمع، وقبل الخروج من بوابة النادي قابل بشار وجها لوجه، وقال له: طماطم وخيار...طماطم وخيار يا بشار... أصبتني بالحرقان يا مطزطز.

الثلاثاء، 25 مايو 2010

سائح بين مدن - الكويت


لم يكن يوم العاشر من ديسمبر يوما عاديا، فقد كان موعدا غراميا من طراز فخم، ولم يكن السفر فيه عبارة عن تذكرة وحقيبة، و لم يكن اقلاع من ارض وهبوط من سماء، كان موعداً رهيبا لي، فأنا مشتاق وجاهل في نفس الوقت.
اما كيف؟. فالشوق وصف لحالتي وأما الجهل فقد كان طورا ومرحلة وجهلي هو بمدى شوقها لي، وكيف لي أن اعرف مداه؟
أقلعت الطائرة في حوالي الثالثة عصرا، كانت أجواء الرياض غائمة على استحياء، وكانت شمسها كعذراء في يوم خطبتها، وكعادة الوداع بيني وبين الرياض يكون فيه بعضاً من الملح على لحظات سريعة.
كان الهبوط بعد ساعة تقريبا من الاقلاع وقد تم بسلامة الله.
وهناك كان الجو غائما حد السواد، وكان الهواء باردا حد فرك الايادي، وكان الشوق رهيبا هناك حد الاحتضان او يزيد.
قبل هذه الرحلة بأسبوعين تقريبا، كنت في مدينة دبي، ولم يكن الجو اللطيف غريبا علي لمعرفتي المسبقة بها، ولم يدر بخلدي ان هناك فخا ينصب لي.
كنت على توقع بأن الكويت، المدينة الساحلية، ستكون قريبة من أجواء دبي، لذا لم اكن حريصا على لبس ثقيل الملابس، وكانت غلطة كلفتني أياما من التعب تحت وطأة برد الكويت القارس.
من ارض المطار استقلينا زميلي وانا السيارة وكانت الوجهة مدينة السالمية.
عندما تشعر الدفء بالمعاملة الانيقة، عندما يكون الطيب حد الكرم ، عندما تكون الوجوه باسمة كوجوه اصدقاء الطفولة، عندما تكون الاناقة ابتسامة على طرف شفاه بريئة، عندما تكون الانوثة انوثة والعيون جريئة ، عندما يكون الكلام : آمر، هلا، من هذي قبل هذي ، عندها فقط يجب ان تعرف انك بالكويت ووسط الكويتيين.
عندما ازور أي مدينة ساحلية، يوجد بروتوكول شخصي الزامي، الا وهو الوقوف على شروق الشمس او على الاقل على غروبها، وفي الكويت ورغم ان الغيوم حالت دون شمس صافية، الا ان المشهد كان جميلا وفريدا بالنسبة لي، فبرغم ان الهواء كان باردا، الا ان لقائي بالامواج كان دافئا ومنظرا لن انساه.
تبدأ الموجه من بعيد، سريعة كحصان تمرد ذات غضب، وعندما كانت تنتحر بأحضان الصخوركان الاحساس بداخلي ان الموجة سكنت هنا، بداخلي ألا منتهي لها. لتولد موجه حب لوردة الخليج قد لا تموت.
من التجول في شوارع الكويت ،أسواقها، المقاهي، المطاعم ، قراءة بعض الجرائد، تجاذب أطراف الحديث مع بعض الكويتيين، اتضح لي مدى التطور والرقي، الا ان اكثر ما جذبني، واثار إعجابي،هو الحراك السياسي والانفتاح الاجتماعي.
فرغم ان الكويت كانت ساحة لاكبر حرب في النصف الثاني من القرن السابق، ورغم وقوعها تحت ضغط جغرافي وسياسي وتاريخي، الا انه توجد في الكويت تجربة ديمقراطية قد لايماثلها تجربة على اتساع رقعة الوطن العربي الكبير، وان كان حادث انتقال السلطة الدستوري سلط الاضواء عليها اكثر من أي حدث آخر، الا ان المتابعين لهذه التجربة لم يتفاجؤوا بالانتقال الراقي للسلطة.
كان الوداع، وداع الوامق الكمد، كان وداعا حارا لمدينة لم يثنيني بردها عن الوقوف على بحرها في احد الصباحات التي لاتنسى. كانت رحلة جميلة تحفل بالذكريات الاجمل.
كان وداع للقاء سيكون قريبا ان شاء الله.

الخميس، 18 فبراير 2010

ثرثرة على متن طائرة




الساعة التاسعة صباحا، دقائق بطيئة تزفنا للإقلاع بعد ساعة تقريبا. حسناً، لا بد من استعراض بسيط لحضور هكذا صالة. هنا أوروبي جالس بجانب زوجته(لا اعرف انها زوجته او لا لكن حسن النية موجود)، وهناك فتاة تبدو من ذات أصول افريقية، تبدو مبتهجة ومنتظرة على أحر من الجمر، وهناك في الصف الأخير من القاعة، عائلة بدا لي أنها خليجية، وأطفال يلهون هنا وهناك. الوجوه متباينة كالأعراق تماما، جلست بقربي،على يساري، فتاة أوروبية، بدا لي أنها انجليزية، فعلى عكس عادة الأوربيين، لم تلقى التحية، فقط جلست وبدأت تبحث عن شي وسط حقيبتها البسيطة، حسناً، كان الشيء هو كتاب من الحجم الصغير، عيون زرقاء بنظرات حادة، وانف روماني صغير، تغطي رأسها قبعة دائرية يتدلى منها شعر أشقر قصير،. مع اقتراب موعد الصعود، ازدادت أعداد المتوافدين على الصالة. وبدأت تتصاعد وتيرة الضوضاء، وهذه علامة على تزايد أعداد العرب، فلنا نحن العرب حضور قوي في أوقات الهدوء، الم يقل احدهم بأننا ظاهرة صوتية؟
حسناً، نظرة ملياً إلى الفتاة بقربي، وازددت يقينا بأن الجمال كالإرهاب تماما، ليس له عرق ولا دولة ولا إقليم، فهو هبة من الله لبعض لخلقه.
فجأة قفز إلى مخيلتي سؤال ثقيل، لكنة على إي حال قفز، ماذا لو أن رتشارد قلب الأسد حضر بذاته، بالطبع مع سيفه ودرعه ، إلى هذه القاعة الآن؟ ورآني بجانب حفيدته؟ ماذا سيفعل؟؟ هل سيهوي بسيفه أو ربما بدرعه على رأسي؟ أم ماذا؟ ثم ما هو يا ترى سيكون موقف الفتاة؟
مع نداء الصعود للطائرة تلاشى طيف رتشارد قلب الأسد ، تلاشى بسيفه ودرعه.
بدأ تشكل طابور من الحضور باتجاه باب الصالة المؤدي مباشرة إلى داخل الطائرة، وكعادتنا نحن العرب يكون الصف شبه مستقيم إلى أن يصلنا فنجعل منه شبة متوازي أضلاع.
الصدفة مرة أخرى تلعب دورها في هذا الطابور، صرت أنا خلف حفيدة طيب الذكر ريتشارد ، وعند الدخول للطائرة لعبة الصدفة دورها، لكنها في حالة تسلل هذه المرة، فكنت أنا وإياها على نفس صف المقاعد ولكنها في طرف وأنا في طرف بالجهة الأخرى.
على أية حال دعوت الله أن يرزقني براكب مجاور يكون خفيف الظل أو أن يكون المقعد خاليا في أسوء الأحوال ، فالرحلة مدتها 7 ساعات تقريبا وهذا يعني أن ثقل الدم هنا عقوبة قاسية قاسية بمعنى الكلمة.
بدء من كان في صالة الانتظار يأخذ مكانه في الطائرة، وفجأة وبدون سابق إنذار وقف أمامي رجل في أواخر العشرين، بدا لي انه جنكيز خان بذاته، سبحان الله، في صالة الانتظار بجانب حفيدة رتشارد قلب الأسد وفي الطائرة بجانب حفيد جنكيز خان، هنا يبدو أن الصدفة خرجت من الملعب بعد التسلل الأخير.
نظرة إلى الطرف الأخر وإذا بي أرى الحفيدة مع احد أحفاد نهرو، ليس هذا وحسب بل ويتجاذبون إطراف الحديث بابتسامات.
هنا كان للعصر العباسي وقفة مضيئة معي، فما إن رأيت المضيفات حتى قفزت، قفزت بسرعة وخفة هذه المرة، إلى مخيلتي قصص "بعض" الخلفاء العباسيين رحمهم الله مع الجواري (القصص من واقع كتب الأدب لا التاريخ)
لا حاجت لي هنا أيضا أن اكرر بعد أن توثقت فكرتي عن أن الجمال مثل الإرهاب لا عرق له ولا دولة ولا...بل هو هبة من الله.
أخذت الطائرة بالإقلاع تدريجيا حتى استقرت بأذن الله بين الأرض و السماء.
ومع استقرار الطائرة، نام البعض، واخذ البعض بمداعبة السماعات و التجول بين القنوات السمعية أو البصرية. وهنا، لفت انتباهي معركة، معركة من نوع آخر، أخذت حفيدة قلب الأسد تتعارك مع النوم، عراك المتمنع المستسلم، وكانت الحرب سجال. ولم يقطع تأملاتي تلك سوى شخير حفيد جنكيزخان قاتله الله. فالتفت عليه، أجده كالصنم، لكنه تفوق على الصنم وعلى الهدوء بالشخير الذي يشبه إقلاع طائرة حربية.
يا لحظي العاثر، كيف سأقضى هذه الساعات هكذا. حسنا، سأركن إلى صديقي القلم وصديقته الأوراق.
وحين لمعت فكرة القلم والورقة، لمعت إحدى الجواري وانتقلت إلى العصر العباسي من جديد. هنا استوقفتها وطلبت منها قلما وورقة. وخلال ثواني معدودة، أتى القلم الأبيض تتبعه الأوراق البيض...هنا الأبيض يكون سيد الألوان حقاً.
أخذت القلم، وأخذتني العولمة،والتقنية والاختراعات، كيف يجتمع أحفاد الخالد صلاح الدين وأحفاد رتشارد قلب الأسد في مكان واحد؟ وأين؟ بين الأرض والسماء!! (أما أحفاد جنكيز خان فلن اذكرهم هنا ما دام هذا النائم يواصل ثورة الشخير هنا(
فعلا، صدق من استنتج بأن العالم أصبح قرية صغيرة..
حسناً، العرب مرة أخرى، وعلى متن الطائرة، ولا جديد، ضوضاء من الكبار قبل الصغار، واحد الصغار يحاول أن يقرأ ما اكتب، ولا اعرف هل هو يجيد القراءة أم الشيطنة هي الدافع!
اه، اخيرا، انتهت ازمة حفيد جنكيز خان، فقد صحا من نومه واخذ يلعب بجهاز الكتروني صغير معه، واجزم بأن اللعبة هي قتل وقاتل ومقتول.
هنا أحسست بالملل، فكأنما الوقت يتلكأ بالمسير.
هنا، اظهر لي شيطان الشعر رأسه، فهل أقاومه أم استسلم؟ حسناً، سأرضيه بكلمات حتى يذهب عني بلا رجعه، فلا اذكر في حياتي أن احد شياطين الشعر رضي عني أو رضيت عنه، فهم يظهرون ومن ثم يذهبون متأففين مما اكتب.
يا ليت توزيع المقاعد بالمعارك..
لكان حفيد نهرو فوق الجناحٍ..
وحفيد جنكيز يدور بلا مكانِ
حسناً، يجب أن اعتذر لركاكة ما كتبت، واعترف، بأن من كان يطل برأسه ليس شيطان شعر بل كان حما.......
يبدو أن عصر العباسيين على مشارف النهاية، فهاهي المضيفة تسأل عن القلم، بل وتسأل: ماذا تكتب؟ وهنا تعلق باستفهام: هل تكتب رسالة حب؟؟ هكذا قالت. (يبدو إنني على مشارف عصر الانحطاط). توقفت عن ألكتابه هنا، ولكن لم أعطها القلم إلا لحظة النزول من الطائرة، بعدما شكرتها طبعا.
استقليت سيارة من المطار باتجاه البيت، الوقت كان قبل الغروب بنصف ساعة تقريبا أو اقل.
وهذا الوقت بالذات تكون الرياض في أجمل أجمل أجمل لحظة لدي. فقرص الشمس الضارب إلى الحمرة قد دنى من الغروب، فتبدو كلثام على وجه حسناء رفعته رفقا بالناظرين.
وتذكرني الشمس بوجه أمي، وجه يلفه الحياء، حتى الابتسامة، الابتسامة تكون في حياء.
يكون الجو لطيف بعض الشيء في منطقة المطار. و منظر الرمال، رغم إني ابن الصحراء، إلا أنني كلما غبت عن هذه الرمال، أكاد أدهش من روعتها حينما أراها، فكيف إن كانت اللحظات هي قبل الغروب.
وهنا، أغمض عيني، حتى اظم مدينتي، والشوق يجمعنا دوما، واقبل جبينها، مثل تقبيل رأس أمي.

طيب، وماذا عنك؟ الم تمر بمثل هكذا تجارب!



الأحد، 31 يناير 2010

اول غصة حب....


سألت صديقي عن أول حالة حب وقعت له، طأطأ رأسه ، ولم يرفعه، وقال:
كنت في عمر الخامسة تقريبا عندما وقعت في الحب، الحب يا جنتلمان في عمر الخامسة، كان فعلا حبا عذريا وشفافا ولا تشوبه شائبة فلم يكن في ذاك الوقت لا ستلايت و لم أكن اعرف بعد شيئا عن الفيديو وخباياه.
كانت المرأة الوحيدة التي اراها غير امي وبنت الجيران، هي الموجودة صورتها على غلاف احد أنواع الصابون..وكانت هي المرأة الوحيدة التي أراها مبتسمة كل الوقت.
كنت جالسا وقت العصر، لا افعل شيئا سوى مطاردة بعض النمل واللعب معه قبل ان اقتله او يهرب مني، فجأة مرت من امامي بنت الجيران "نوير"، مشت من أمامي كالعادة ولكني في تلك اللحظة وبعد ان قتلت ثلاث نملات وفرت الرابعة بدأت انظر ل"نوير" بطريقة مختلفة، فدق قلبي أكثر، وسرحت قليلا انظر لها وهي تمشي وكأن شيئا داخلي يقول "لبا هالزول" ... المهم انتظرتها حتى ترجع لأرى وجهها وادقق فيه أكثر...
رجعت نوير من البقالة وانا انظر لها بتمعن اكثر..ولم اجد سوى نوير، نوير لم تتغير وجه دائري وعينين صغيرتين وانف لم اعرف كيف كانت تتنفس منه...
تمعني أثار استغرابها، فهي ليست المرة الأولى التي أراها.
عدى ذاك العصر واتى المغرب ولم أتعشى وقتها ولم أكن اعرف لماذا.
المهم بدأ اليوم الثاني وذهبت لذات الباب وجلست ولكني هذه المرة لم اقتل النمل فأنا مشغول بنوير ولم أرد أن ألوث يدي بدماء الأبرياء.
أتت نوير وأنا انظر لها بتمعن أكثر وهي تنظر باستغراب أكثر، عدت من أمامي فما كان مني إلا ارتبكت وقلت لها : نوير.
قالت بعد ان توقفت: خير؟
ارتبكت ولكني قلت: جيبي لي معك مارس...
قالت: اقلب وجهك ما معي إلا ريالين فشفاش ومرندا.. ثم زادت: وأنت من أمس متردد عشان تطلب مارس؟ رح لمك وخذ نص ريال واشتر مارس...
لم يحمر وجهي، فلك الأيام لم تعرف وجوهنا إلا اللون القمحي فقط...لا يتغير مهما تغيرت الظروف.
رجعت بقوة إلى عتبة باب البيت وأصبحت ادهس كل نملة أراها أمامي بدون لا رحمة ولا شفقة.
أتى وقت المغرب، تعشيت جبنا فقط، فأنا في حالة الغضب فقط أكل الجبن.
في اليوم الثالث، ومن الصباح، بدأت أتدرب على جملة الحب الأولى : نوير، أبي أروح معك البقالة واشري لك مارس وميرندا من فلوسي.. تدربت كثيرا كثرا على هذه الجملة... واتى وقت الحصاد..
أتت نوير يزفها لي هبوب نجد العذية، ومتجه لذات البقالة ،فبرنامج نوير اليومي لا يمر دون فشفاش وميرندا..
مرت من أمامي وكأنها لم ترى احد.
قلت: نوير
قالت: خير.
قلت: أعطيك ريالين وتعطيني ريالييين ... تبين ريااااالين...عطيني رياليييين........ارتبكت كثيرا وضاعت ساعات التدريب هباء في ساحة المعركة.. فهمت نوير بالمغادرة..
إلا أني وقفت وكنت جالسا وقلت بصوت عال:
نوير أنا بروح أجيب لك مارس وميرندا من فلوسي وخلي فلوسك لليوم الاسود...
قالت نوير: سود الله وجهك... انقلع..
وقفت بكل شجاعة أمام نوير و قلت: نوير ..طيب خلاص خليني أروح معك......نظرت إلي نظرة مااااكرة وقالت: طيب خلها بكرة أجي العصر وتروح معي زين؟
قلت: زين زين زين يا زين.
عدى اسعد عصر علي في حياتي، وعدى ابطىء مغرب في حياتي ولم انم في انتظار عصر الغد السعيد...
ولما كان من الغد، وأنا بذات المكان وبذات الثوب المغير انتظر نوير...إذا هي تأتي وتقف أمامي ...وتلتفت إلى الوراء وتقول: هذا هو يا سعيدان.
لما سمعت اسم سعيدان هممت بالهروب ولكن سعيدان كان أسرع، (عرفت سعيدان؟ طبعا اخو نوير الكبير)..
امسك بيده اليسرى ثوبي من الوسط، ويده اليمنى مغروسة بحلقي... وانقطع النفس ولم استطع حتى الكلام، وبدا وكأن عصافير بيضاء ترقص فوق رأسي، ولم يقطع صوت العصافير سوى صوت سعيدان الأجش وهو يقول لي: يا حيوان لا تتعرض أختي وان سمعت انك تعرضتها ثاني مره راح أدفنك هنا.... زين...زين
لم استطع الكلام، ولكني أشرت بأصبعي للسماء (يعني احلف له) ...سحب يده اليمنى من حلقي ... واخذ ريالين من جيبي ومشى مع أخته نوير للبقالة ...
يعني لم اخسر نوير فقط، ولكني خسرت الأهم، ريالين كنت قد سرقتهما من صندوق أمي.
مر أتعس عصر علي في حياتي، ومر أتعس مغرب في حياتي ولم استطع النوم من الم في حلقي بسبب أظافر سعيدان التي غرست في حلقي...
ولكني يا جنتلمان خرجت بدرسين،الاول: لا تسرق امك ابدا، والثاني:من ذلك اليوم وحتى اليوم، لم اقتل نمله في حياتي.
تلك يا جنتلمان أول "غصة" حب في حياتي...وثاني غصة كما تعرف هي زواجي ...



***

هذه قصة صديقي! طيب وانت ماهي اول قصة حب؟